الذكرى الحادية والعشرون :
حين عدت بالأمس إلى الشقه .. اخذت استرجع ما جرى بيني وبين ريم .. وضحكت حين تذكرت الارتباك والتلعثم اللذان اصاباني حين فاجأتني بإلقائها التحية علي .. لقد كانت جرأة كبيرة منها .. ولكنها اعجبتني على أي حال .. فلم اكن لأبادر انا بالحديث إليها .. ليس بهذه السرعه .. فأنا بالكاد بدأت ألملم شتات نفسي بعد حور .. وماكنت سأقدم بهذه السهولة على الخوض في التعرف إلى فتاة جديدة .. رغم انني كنت قد بدأت اشعر بوجودها والميل لها ..
حين انتهيت بالأمس من الشرح لريم ماسألتني عنه .. اتفقنا على اللقاء اليوم في المكتبة .. ولكنني .. لا ادري إن كانت تقصد بأنها فعليا ستراني في المكتبة .. ام انها ستعود للجلوس بمفردها على إحدى الطاولات البعيده .. لم أجرؤ على سؤالها عن قصدها بالضبط .. وتركت الفضول يتآكلني إلى هذه اللحظة لأعرف ما هي خطوة ريم التالية ..
******
يبدو ان ريم كانت جادة حين وعدتني باللقاء ثانية في المكتبه .. فقد بدأنا نلتقي بشكل منتظم .. يوميا .. اولا في المكتبة ثم نخرج إلى اي مكان اخر .. أحيانا إلى مطعم .. واحيانا إلى مقهى .. واحيانا إلى السينما .. واصبحت علاقتنا قوية جدا .. إلى الحد الذي جعلني أسألها دون حرج .. عن سر ارتدائها للون الأحمر باستمرار .. فأجابتني قائلة بأن اللون الأحمر يجعلها تظهر بمظهر قوي وجريء.. أمام الجميع .. وأنها تحب هذا الإيحاء .. لأنها تتمنى لو كانت قوية بالفعل ..
لم افهم ماقصدته ريم بقولها أنها تتمنى لو كانت قوية بالفعل .. واستغربت لقولها هذا .. ولكنني لم اعلق عليه .. وتناسيت الموضوع تماما .. بحيث اصبح ارتداء ريم للون الأحمر دائما .. من أكثر الأشياء طبيعية بالنسبة إلي ..
بدأت اخرج إلى الدنيا أكثر .. وأختلط بالناس بشكل كبير .. وقد عرفتني ريم بكل اصدقائها وزملائها ... فأصبح لي اصدقاء من جديد .. وأصبحت احب الخروج برفقتهم ..
وبفضل ريم .. عدت مجددا للحياة .. وعادت لي ثقتي بنفسي التي فقدتها بعد حور شيئا فشيئا .. وبالطبع كنت قد اخبرت ريم بكل شيء عن حور .. وعن حالتي بعدها .. فوعدتني ريم بأن تساعدني وتقف إلى جانبي إلى ان اتمكن من نسيانها ونسيان كل الآلام التي سببتها لي ..
كنت اشعر بالامتنان نحو ريم .. لأنها ساعدتني بالفعل على تخطي الأزمة التي كنت امر بها .. ولكن .. كان حبي لحور لا يزال مسيطرا على مشاعري .. فظل حاجزا بيني وبين ريم .. لا أنكر بأنني حاولت نسيان حور .. وحاولت اكثر ان احب ريم .. ولكنني لم اتمكن من ذلك ..
كنت اعرف بأن ريم تحبني .. وكنت اخشى اللحظة التي ستبوح فيها بمشاعرها .. ترى بم سأرد عليها ؟ هل اقول لها بأنني احبها ؟ هل اقولها فقط كي لا اجرح مشاعرها و كي لا اخسرها ؟! إن قلتها فلن اكون صادقا .. لن اكون صادقا حتى مع نفسي .. فأنا واثق ومتأكد بأنني لا احبها فعلا ..
بدأ الشعور بتأنيب الضمير ينتابني .. وكان صوت صغير يتردد صداه في رأسي باستمرار قائلا لي .. ( انت مخادع .. مخادع ) .. فبدأت اشعر بالضيق .. وبالقلق .. مما اثر كثيرا على تعاملي مع ريم ..
نعم .. شعوري بالذنب وبالتقصير في حقها .. جعلني اختلق اعذارا .. اي أعذار .. للشجار معها .. وخلق المشاكل .. لتخاصمني .. وتبتعد عني .. وقد كنت انجح في ذلك لفترة.. أشعر خلالها بأنني قد أزحت حملا ثقيلا عن كاهلي .. لتعود ريم مجددا إليّ مسامحةً .. متناسيةً كل الأخطاء التي كنت اقترفها بحقها ..
كنت استغرب من عطاء هذه الإنسانة .. ومن إخلاصها في حبها .. فبالرغم من علمها بأنني لا أحبها .. وبالرغم من جرحي المستمر لمشاعرها .. فهي لا تزال صابرة .. محتملة كل الأذى مني ..
هل هذا هو الحب ؟! هل يهدر الحب كرامة المرء وكبرياءه ؟ بالأمس كنت استغرب ثقة ريم واعتدادها بنفسها .. كنت استغرب صراحتها وصلابتها .. كنت اجدها جافة نوعا ما .. ولكنني اكتشفت بأنني كنت مخطئا .. فحبها اكثر قوة وثبات من حب حور .. حبها اعاد إلي ماكنت افتقده .. اعطاني الشعور بالأمان الذي كنت احتاج إليه ..
ولكنني كنت خائفا .. خائفا من شبح حور الذي لا زال يطاردني .. فرفضتها .. ورفضت حبها ... اخبرتها بذلك .. اخبرتها بأنني لا اقدر ان احبها .. اخبرتها بأنني احب حور بحيث لم اعد قادرا على رؤية سواها .. اخبرتها بأنني لست مستعدا بعد للارتباط بها .. لأنني لست واثقا من قدرتي على حبها او حب اي امرأة أخرى ..
طلبت من ريم ان تمهلني بعض الوقت .. طلبت منها ان تعطيني الفرصة لأبتعد عنها .. وأعرف إن كنت قادرا على الحب من جديد .. طلبت منها ان نعود أصدقاء كما كنا في بداية تعارفنا .. لأنني أنوي اكتشاف مشاعري بعيدا عنها ..
حين انفجرت بريم .. قائلا لها كل ما اشعر به دفعة واحده ودون مقدمات .. ذهلت ريم .. ولم تتمكن من النطق .. إلا أنها تمالكت نفسها .. وأجابتني بصوت متحشرج .. بأنها موافقة .. موافقة على أن نعود أصدقاء كما كنا .. بشرط أن امهلها بعض الوقت ..
لم افهم ماكانت تقصد حين طلبت مني إمهالها بعض الوقت .. إلا انني فهمت ذلك .. حين اكتشفت بأنها غادرت المدينة .. عائدة إلى الدوحة .. تاركة كل شيء وراءها .. عرفت ذلك من اعز صديقاتها .. التي اخبرتني بأن ريم قامت بحذف الفصل الدراسي بأكمله .. لأنها لم تطق البقاء هنا بسببي .. وأخبرتني أنها لا تعرف إن كانت ريم ستعود مجددا أم لا .. اخبرتني بذلك بكل حقد وغضب .. واتهمتني بأنني كنت سببا في تحطيم صديقتها التي لم يسبق لها ان رأتها بهذا الضعف ..
كنت في حالة ذهول ... وصدمة .. اردت إصلاح ما افسدته .. اردت ان اطلب منها ان تسامحني .. ولكنني كنت اعرف بأنني إن فعلت فلن ازيد الأمور إلا سوءا .. لأنها ستعرف حينها بأنني ماعدت إليها إلا شفقه ..
قررت ان انتظر .. واترك الأيام تداوي جرح ريم من ناحيتي .. فالأيام وحدها كفيلة بمداواة أصعب الجروح .. ولكنني وعدت نفسي بأن لا انساها ما حييت .. وان ارد لها المعروف الذي صنعته بي .. يوما ما ..
ترى .. هل ستتمكن ريم فعلا من مسامحتي على ما فعلت .. هل ستعود إلى هنا مجددا ؟ هل سأراها واتمكن من الاعتذار لها ؟! ام انني لن اجرؤ على مواجهته؟!
الذكرى الثانية والعشرون :
مر الفصل الدراسي بأكمله .. دون أي أثر لريم .. ولا أي كلمة منها تشعرني بالراحه .. فظل شعوري بالذنب نحوها يغمرني .. ويجعلني أخجل من نفسي .. ومن كل ما فعلت بها ..
بعد ان تركتني ريم .. عاد إلي الشعور بالوحدة .. بالقلق .. وعاد الشوق إلى حور يعصف بي من جديد .. فكرهتها .. لأنها كانت السبب في كل ما فعلت بريم .. كرهتها لأنني لم اتمكن من التغلب على مشاعري نحوها .. ولأنني لازلت اعاني من الضياع ..
وددت في تلك اللحظات لو انزع قلبي من مكانه .. لأتغلب على ضعفه .. وددت لو أنني استطيع استبداله بقلب آخر .. أكثر صلابه وقسوه .. لم لا يستطيع الانسان أن يحب بإرادته .. لم لا يستطيع أن يأمر قلبه بحب هذا وكره ذاك .. لماذا يجبرنا القلب دوما على حب من لا يستحق ؟! ظلت هذه الأسئلة تتردد في عقلي .. مرات ومرات ..
رفضت الاستسلام والرضوخ لمشاعري .. رفضت أن اعتزل العالم من جديد واعيش وحيدا مخذولا حزينا .. وصممت على ملأ الفراغ الذي تركته حور في حياتي .. ولا بد أنني سأنجح يوما ما ..
ولكنني لن احاول في الوقت الراهن أن اتقرب إلى أي فتاه .. فيبدو أنني لست مستعدا لخوض مثل هذه التجربه بعد .. سأحاول أن اختلط أكثر بالأصدقاء .. فأحيط نفسي بأكبر عدد ممكن منهم .. ليشغلوني عن التفكير بالحب والمشاعر ..
*****
عدت في الإجازة الصيفية إلى الدوحة .. وقضيتها مع والدي وأخواتي .. ولم اعطهم مجالا للشك بأنني لازلت أتألم من الداخل .. فكنت دائما أتظاهر بالمرح والسرور .. فاطمأن أهلي علي .. وشعروا بأنني عدت كما كنت قبل أن اعرف حور ..
وبعد انتهاء العطله .. عدت إلى الكلية مجددا .. وعدت هذه المره لأبدأ في مشوار رسالة الدكتوراة .. وهي آخر حلم لي أحققه ثم اعود بعده إلى الدوحة راضٍ من الناحية الأكاديميه ..
سررت حين رأيت ريم مجددا في الكليه .. لقد عادت اخيرا لمتابعة الدراسة .. إلا أنني لم أجرؤ على الحديث إليها .. فلم اكن اعرف إن كانت سترد علي إن ذهبت لإلقاء التحية عليها .. أم انها ستتجاهلني .. فتظاهرت بعدم رؤيتها .. وأكملت طريقي دون أن ألتفت إليها .. إلا أنها وللمرة الألف .. اثبتت لي صفاء قلبها ونقاءه .. ومعدنها الأصيل .. فما أن رأتني حتى ابتسمت وجاءت إلي بنفسها لتحييني .. وكأننا ما اختلفنا يوما .. وكأنني لم اسبب لها الجرح والألم في يوم من الأيام ..
عدنا انا وريم صديقين .. كما كنا في بداية علاقتنا ببعضنا البعض .. ولكننا هذه المرة كنا اكثر تحفظا وحذرا .. فوضع كل منا لنفسه خطوطا حمراء لا يتجاوزها .. لنتمكن كلانا من حماية أنفسنا من أي أذى أو ضرر قد نتعرض له ..
اصبحت أثق بريم كثيرا بعد اطمئناني على المسار الجديد الذي اتخذته علاقتنا .. فكنت اخبرها بكل ما اشعر به .. بكل ما يدور بخلدي .. فكانت تشاركني ما اعانيه .. وتقدم لي النصح والمشوره دوما ..
حتى أنني حين قررت التعرف إلى فتاة أخرى .. كانت ريم هي أول من عرف بالأمر .. أخبرتها بأنني أعجبت بفتاة .. وانني أريد التعرف إليها .. شعرت بأن ريم قد صدمت .. ولكنها لم تقل شيئا عن الأمر .. بل سألتني عن الفتاه .. عن اسمها .. وأين رأيتها .. وكل شيء .. فأخبرتها بأن اسمها مريم .. وأنها تشبه حور إلى حد كبير .. إلى الحد الذي جعلني أعتقد بأنها هي في البداية .. إلا أنني حين دققت النظر .. وجدت انها تختلف عنها في أشياء بسيطة .. كلون الشعر مثلا .. فلم يكن شعرها بنفس نعومة وسواد شعر حور ..
سألتني ريم إن كنت قد اتخذت أي خطوة للتعرف بالفتاة .. فأخبرتها بأنني قد فعلت .. فأنا منذ رأيتها .. وأنا اشعر بأنني اعرفها منذ زمن بعيد .. فلم اشعر بأي تردد او خوف .. لم اشعر بأي خجل منها .. بل ذهبت إليها مباشرة .. وأخبرتها بأنني أريد التعرف بها ..
سألتني ريم عن ردة فعل الفتاة .. فأخبرتها بأن الفتاة قد استغربت في البداية من جرأتي .. إلا أنها لم تمانع بشرط أن نكون صديقين .. فسألتني إن كنت مستعدا فعلا لقبول الصداقة والصداقة فقط .. فأجبتها بأن ذلك مستحيل .. وأنني قد وافقت على ذلك فقط لأنني أريد أن اعرفها أكثر .. وأنني سأجعلها تحبني فيما بعد ..
حذرتني ريم من أنني قد لا أنجح فيما أحاول فعله .. وأنني لا أريد الفتاة لذاتها .. وإنما أريدها فقط لشبهها بحور .. إلا أنني تجاهلت تحذيرها .. فقد أعماني تعلقي الشديد بالفتاة عن سماع ما تقول .. فكل ما كان يهمني .. هو أن حور قد عادت إلي مجددا .. بشكل جديد .. إنها تعويض لي على ما عانيته من ألم وعذاب ..
إلا أن ريم كانت على حق .. فقد أعماني شبه مريم الكبير بحور .. إلى درجة أنني انجرفت خلف هذا التشابه .. فاعترفت لمريم بحبي .. قبل أن يمر اسبوع على علاقتي بها .. لا أدري بم شعرت مريم حين أخبرتها بأنني أحبها .. ربما ذعرت .. وربما شعرت بالأسف نحوي .. ولكنها بالتأكيد .. لم تبادلني الاعتراف باعتراف مماثل ..
حاولت مريم قطع علاقتها بي .. ووضحت لي مرارا وتكرارا .. بأنها لا ترى بي سوى أخ وصديق .. وزميل دراسة .. إلا أنني كنت مصرا على عدم الإصغاء .. كنت أؤكد لها بأنها ستحبني يوما ما .. أو انها ربما تحبني فعلا دون ان تدرك ذلك .. أو انها تحبني ولكن ترفض الاعتراف بذلك ..
ولكن كان كل ذلك دون جدوى .. فمريم ظلت على رأيها وموقفها .. وأكدت لي بأنني أتوهم وأنني لا أحبها فعلا .. وأكدت لي رغبتها في قطع العلاقة .. فشعرت بالألم وبالجرح .. وبأن حور قد عادت لجرحي وإيلامي من جديد .. فلم أجد أمامي إلا ريم .. التي ظلت بقربي مواسية .. ومداوية لجراح قلبي الجديدة ..
ظلت ريم تؤكد لي بأنني سأتجاوز هذه المحنة بسلام .. وبأنني سرعان ما سأنسى مريم .. و حاولت ممازحتي مرات ومرات .. بأنني يوما ما .. سأجد المرأة التي تستحق حبي فعلا .. وأن وقت هذه المرأة لم يحن بعد .. وأكدت لي بأنني حين أجدها سأكون أسعد انسان في هذه الدنيا ..
كان لكلماتها تلك .. تأثير مطمئن .. مهدئ .. كانت تشعرني بالسلام والطمأنينه .. وتعطيني أملا بغد أفضل .. ومستقبل أكثر إشراقا .. لا وحدة فيه ولا ألم ..
الذكرى الثالثة والعشرون :
محاولاتي اليائسة في إيجاد بديل لحور .. قد جعلتني اختار الفتيات بشكل عشوائي .. فلم أكتف بالآلام التي كنت اسببها لريم .. ولا بالجرح الذي سببته لي مريم .. بل تماديت كثيرا .. وأخذت اتعرف على الفتيات الواحدة تلو الأخرى ..
كنت كالمحموم الذي كلما أخذ دواءا ما .. ازدادت عليه الحمى .. فبحث عن دواء جديد .. فأصبح الحب لعبة بالنسبة لي .. لأقل بأن كلمة ( أحبك ) اصبحت اسهل كلمة على لساني .. حتى سأمت منها .. وما عدت اشعر بطعمها ..
تحولت فجأة من شاب محافظ خجول .. متردد .. إلى شاب لعوب .. كاذب .. قاس ،، لم اعد اعرف نفسي .. فقد امتلأت نفسي بالمراره .. وكره الذات .. لم اعرف كيف امكنني ان اتغير بهذه الطريقه ؟! ايكون ترك حور لي هو الذي جعلني اتغير إلى هذا الحد ؟! ام انني كنت هكذا منذ البداية ؟!
لا اعرف .. ولكنني بحاجة للتخلص من شبح حور .. ومن تعلقي المحموم بها .. يجب ان اجد فتاة تحبني بصدق .. فتاة مختلفة عن كل من عرفت .. فتاة تعيدني إلى ماكنت عليه يوما .. شاب خجول .. مستقيم .. صادق ..
لم اعد أذكر عدد الفتيات اللواتي عرفتهن خلال هذه المدة .. فقد اصبح تغيير الفتيات هواية بالنسبة لي .. فأتعرف إلى فلانه لأتركها ثم أتعرف إلى غيرها .. لا اذكر أني استمريت في أي علاقة من تلك العلاقات لأكثر من شهرين متتالين .. فقد كانت كل تلك العلاقات .. علاقات فاشله .. ادخلها بفرح وسرور .. وامل بأنني أخيرا وجدت ضالتي .. لأخرج منها بإحباط وضيق .. وشعور كبير باليأس .. وفي كل ذلك .. كانت ريم دوما إلى جانبي .. تراقبني وانا اتنقل من فتاة إلى أخرى .. لم اكن اعرف بم تشعر .. او بم تفكر .. أو بالأحرى .. لم اكن اريد ان اعرف بم تشعر ..
لأنني كنت اعرف في قرارة نفسي بأنني أعذب ريم وأجرحها بعلاقاتي المتكرره .. ولكنني لم اكن اريد ان اعترف لنفسي بذلك .. ربما لأنني كنت أنانيا .. فلو اعترفت لنفسي بأنني أجرحها .. فربما كنت سأتركها ترحل .. او تبتعد عني .. ولكني لم اكن قادرا على ذلك .. فقد كنت بأمس الحاجة إلى وجودها .. إلى دفئها وحنانها .. إلى قوتها وثقتها .. فقد كانت الوحيده التي تستطيع إعادة الأمل والقوة إلي من جديد ..
*****
حري بي ان اخبرك يامفكرتي عن بعض الفتيات اللواتي لا ازلت أذكرهن إلى الآن .. فربما تعذرينني لأنني لم اتمكن من حبهن ..
اذكر أنني تعرفت إلى فتاة تدعى ضحى .. لقد عرفتها منذ نحو عام تقريبا .. كنت قد اعتدت حينها على التعرف إلى أي فتاة تعجبني .. فلم يكن حديثي إليها بشكل مباشر يشكل أي عائق بالنسبة لي .. فقد اصبحت شديد الجرأة كما اخبرتك ..
كانت ضحى ودودة للغاية في البداية .. وقد كنت سعيدا بالتعرف إليها .. فشعرت بأنني أخيرا وجدت ضالتي .. فتأججت مشاعر الفرح والسرور في صدري .. ولم يمر أسبوع على معرفتي بها .. حتى بحت لها بحبي .. وبادلتني البوح ببوح أجمل منه .. فعشنا أياما في غاية السعاده .. ولكنها للأسف كانت مجرد أيام ..
فسرعان ما انكشف قناع المرح والاتزان والرقة الذي تختبئ خلفه ضحى .. لتظهر لي وجها لم اره من قبل .. ربما لأنني بحت لها بحبي اعتقدت بأنني لن اتمكن من رؤية عيوبها .. او انني قد اصبحت ملكا لها .. تستطيع ان تفعل معي ما تشاء ؟!
لا اعرف بالضبط مالذي جرى لها .. ولكنها تحولت إلى إنسانة .. تبكي لأتفه الأسباب .. وتصرخ وتغضب .. بل أنها أحيانا تفقد أعصابها إلى درجة أنها لا تعي ماتقول .. فتشتمني وتجرحني بكلام لم اسمعه في حياتي قط ..
لم اكن افهمها .. كانت تصرفاتها تشعرني بالحيره والضيق .. ولم اكن اجد امامي سوى ريم .. لأشكو إليها .. وأطلب منها النصح والإرشاد فيما علي ان افعل مع ضحى .. وكانت ريم تنصحني دوما بالصبر .. والاحتمال .. وتذكرني بأن هذه العلاقه هي العلاقه رقم ... لا اعرف كم .. وأنني يجب أن استمر بها ..
في البداية حاولت احتمال فورات غضبها .. وحاولت احتمال طبعها الهستيري .. لأنني لم ارد ان افشل مرة أخرى .. ولكنني في النهاية لم اعد اطيق الصبر أو الاحتمال .. فطلبت منها الانفصال بهدوء .. ولكنها بالطبع .. لا تعرف للهدوء معنى ..
لن اقدر أن انسى الفضيحة التي سببتها لي ضحى .. فهي لم تترك شخصا يعرفني إلا وقد شهرت بي وبسمعتي أمامه .. حتى انها كانت تتصل بأمي وأخواتي في الدوحة .. لتشتمني أمامهم .. وتخبرهم بأنني خدعتها واستغللتها ..
شعرت حينها بأنني قد اوقعت نفسي في مأزق .. لا يمكنني الخروج منه .. ورغم أن ريم كانت بجانبي .. وكانت دوما تبث الطمأنينة إلى نفسي .. مؤكدة لي بأن ضحى ستمل مني يوما .. وتتركني دون رجعه .. إلا أنها كانت تسخر مني أحيانا .. مازحة .. بأنني هذه المره لن اعرف كيف أخرج من هذا المأزق الذي اوقعت نفسي فيه ..
وكما تعلقت بي ضحى بسرعه كبيره .. تركتني وشأني أيضا بسرعه مماثلة .. فجأة.. ودون مقدمات .. انتهت الزوبعة التي أثارتها لي .. وقد استغربت الأمر في البداية .. إلا انني سرعان ما اكتشفت بأنها قد ارتبطت بشاب آخر .. فدعوت الله أن لا تتسبب له بفضيحة كما فعلت معي ..
بعد ان تركت ضحى .. كنت قد قررت أن اترك الفتيات وكل ما يتعلق بهن نهائيا .. إلا أنني لم اقدر .. فقد أصبح الأمر كالإدمان بالنسبة لي .. أصبح حب الفتيات يجري مجرى الدم في شراييني ..
فتعرفت على فتاة واثنتين وثلاث .. الشيء الوحيد الذي قد يشفع لي علاقاتي المتعددة تلك .. هو أنني كنت حين ارتبط بفتاه .. ألتزم بها التزاما تاما .. فلا أخونها .. ولا افكر في سواها .. إلى أن أبدأ بالشعور بالملل .. وحينها .. انفصل عن الفتاة بهدوء .. لأبدأ مشوار البحث من جديد ..
بالطبع لم اكن اعتبر علاقتي بريم خيانة للفتاة التي ارتبط بها .. لأنني كنت اوضح دوما لكل فتاة اعرفها .. بأن ريم هي اقرب أصدقائي .. وبأنني اعتبرها جزءا مني لا يمكنني التخلي او التنازل عنه ..
،،،،
هناك فتاة أخرى لازلت أذكرها .. ليس لأنني أحببتها .. فلا يمكنني أن احب فتاة على شاكلتها في يوم من الأيام ..
لازلت أذكرها .. لأنها أصابتني بالغثيان إلى حد لا يطاق .. فقد كانت من النوع الطفيلي .. المتسلق .. الذي يعيش على عطايا الناس وفضلاتهم .. لا أذكر بأنني احتقرت نفسي يوما .. كما احتقرتها حين عرفت تلك الفتاه ..
منذ اليوم الأول لمعرفتي بها .. لم تتردد حنان عن الطلب مني شراء أشياء لها .. فمرة تأخذني إلى محل المجوهرات لأشتري لها خاتما .. ومرة إلى محل الحقائب لأشتري لها حقيبه .. وقد كنت في البداية اقوم بذلك بدافع الخجل .. لأنني لم اكن اريد ان اظهر بمظهر البخيل امامها .. إلا أنني داخليا كنت استنكر طلباتها .. وأكره ما اقوم به ..
حاولت التملص منها .. لأنني لا احب الارتباط بفتاة كل ما تريده مني هو محفظتي .. ولكنني لم اتمكن من ذلك بسهوله .. فهي لم تتركني إلا حين وجدت غنيمة أخرى .. شخص يملك مالا أكثر مني بكثير ..
وقد كان هذا الشخص هو وسيلة خلاصي .. فشكرت الله على إنقاذي منها .. ودعوت الله أن لا تستنفذ حنان كل ما يملك الشخص الذي ارتبطت به ..
ولكن .. هل تبت ؟ هل تركت عادتي التي أدمنت عليها ؟ لا .. لم افعل .. فلا يزال الشعور بالقلق والضياع .. والحاجة إلى حب حقيقي .. تملؤني .. وتسيطر علي .. لا بد أن اجد هذا الحب .. لا بد أن اعثر عليه يوما ما
الذكرى الرابعة والعشرون :
مرت سنتان منذ ان تركتني حور .. وكان تأثيرها قوي علي فيهما .. الى الحد الذي جعلني أرد كل فشل لي في علاقاتي .. إلى حبي لها .. ورغبتي في إيجاد بديل مناسب لها .. ولكني .. لم اعد واثقا اليوم من هذا الحب .. لم اعد واثقا بأن حبي لها كان هو السبب في الفشل .. لم أعد واثقا إن كنت لا ازال احبها .. ام انني كنت اتوهم ذلك ..
ذهبت اليوم الى المدينة التي جمعتني يوما بحور .. فشعرت بالحنين إلى كل مكان ألفته في الماضي .. إلى كل مكان منعت نفسي من العودة إليه لسنتين كاملتين .. فدفعني شوقي وحنيني لزيارة هذه الأماكن .. زرت المقهى القريب من كليتي .. زرت السينما .. ذهبت إلى الشارع الذي كنت اسكن فيه .. مشيت في كل مكان ذهبنا إليه سويا .. حتى انني مررت بكليتها ..
كنت في السنتين الماضيتين أتجنب العودة إلى هنا خوفا من الألم .. خوفا من المشاعر التي قد تثيرها بي رؤيتي للأماكن التي كنا نرتادها سويا .. ولكن .. ربما كان علي العودة إلى هنا منذ مده .. ربما كان يجب أن امر بهذه الأماكن .. لأنني ببساطه .. لم اشعر بأي ألم .. لم اشعر بأي شيء مطلقا .. لقد اصبحت هذه الأماكن .. مجرد اماكن .. بلا معنى .. او قيمة حقيقيه بالنسبة لي ..
لم اكن اتوقع يوما بأنني سأفقد إحساسي نحو تلك الأماكن .. فقد كنت دوما اربط احساسي بها .. بإحساسي بحور نفسها .. ترى .. هل فقدت حبي لحور كما فقدت حنيني إلى كل شيء آخر مرتبط بها ؟!
صدمني اكتشافي هذا .. وجعلني أشعر بحاجة إلى الهروب .. إلى الاختلاء بنفسي في اي مكان .. لأعيد التفكير بكل ما مضى .. لأعيد ترتيب اوراقي من جديد ..
وفي صدمة اكتشافي هذا .. فوجئت بحور .. نعم لقد كانت هي .. خارجة من أحد المجمعات التجارية .. حاملة طفلا صغيرا بين ذراعيها .. لم اصدق عيني .. لا بد انني اتخيل ..
ولكنني لم اكن كذلك .. فقد كانت هي .. بنفس الملامح .. والهيئه .. بنفس الجمال القديم .. ولكنها فجأة فقدت بريقها وسحرها .. ( ربما لم تفقده حقيقه .. فهي لا تزال كما هي .. ولكنني لم أعد اشعر بهذا البريق وهذا السحر ) .. لأول مرة .. ارى حور امامي .. ولا اتأثر لرؤيتها .. لأول مرة .. اراها بعد غياب سنتين .. ولا اشعر بالشوق والحنين إليها .. لأول مرة اراها .. وأشعر بأنها غريبة عني تماما ..
كيف يمكن أن احبها طوال هذين العامين الماضيين .. ومع ذلك .. لا اشعر بالسعادة والسرور لرؤيتها .. لا اشعر بالإثارة والارتباك .. وقد لقيتها أخيرا صدفه ..
رأتني حور .. فارتبكت .. وامتلأت عيناها بالدموع .. وظلت تحدق بي .. تريد ان تقول شيئا .. تريد ان تدنو مني .. ولكن .. ملامح الخوف كانت بادية عليها .. استغربت خوفها .. ودموعها .. فابتسمت لها مطمئنا .. ومحييا .. ثم اسرعت بالانصراف من المكان ..
لم انصرف لأنني شعرت بالألم حين رأيتها .. او حين رأيت طفلها بين ذراعيها .. بل على العكس .. لقد انصرفت لأنني لم اشعر بهذا .. لم اشعر بشيء مطلقا .. كنت دوما اتوقع أنني سأحترق بنار الغيرة إن رأيت ابناء حور .. او زوجها .. وكنت ادعو دوما أن لا اراها او ارى اي احد قريب منها .. خوفا من الشعور بالألم .. ولكنني لم اكن اتخيل يوما .. بأنني سأفقد الإحساس بها إلى هذا الحد ..
عدم احساسي بها .. لا يعني سوى أنني فقدت حبي لها .. ولكن كيف .. ومتى ؟! لا اعرف .. لا أعرف متى بالضبط توقفت عن التفكير بها .. او عن الشعور بالألم لفقدانها ..
نعم .. لم اعد احبها .. إن مشاعري نحوها قد اختفت كليا .. لا اعرف كيف لم أشعر من قبل بأنها اصبحت لا تعني لي شيئا .. ربما كنت في حاجة للمواجهة التي تمت اليوم .. ربما كنت محتاجا لرؤيتها من جديد لأدرك بأنها لم تعد تفتنني كالسابق .. ربما كنت بحاجة لمواجهة نفسي بحقيقة لطالما انكرتها .. خوفا من الاعتراف بها .. حقيقة أنني لم اكن احبها هي .. بل كنت احب حبي لها .. الحب الصادق .. الطاهر .. النقي .. الذي لا يهدف لشيء .. ليتني استطيع استرجاع القدرة على الحب بتلك الطريقه .. ليتني استطيع استرجاع ذاتي التي فقدتها بمرور السنين ..
اكتشافي الجديد سبب لي شعورا بالضياع .. والخوف .. وبحاجة ماسة إلى ريم .. لأخبرها باكتشافي .. لتساعدني على استيعاب ما اكتشفته للتو .. لتخفف عني صدمة هذا الاكتشاف .. فهي الوحيده .. التي تستطيع ذلك .. وهي الوحيدة .. التي أشعر دوما بالحاجة إليها وإلى وجودها قربي .. ليتها كانت هنا معي .. يجب أن اعود إلى المدينه .. واراها .. واخبرها بكل شيء ..
*****
بينما كنت أخطط للعودة إلى المدينة لرؤية ريم .. فوجئت بهاتفي المتحرك يرن .. كان رقما غريبا اراه للمرة الأولى .. لم اعرف من يكون صاحبه .. إلا أنني أجبت في الحال .. لأفاجأ بصوت حور ..
كلمتني حور بصوت بائس .. حزين .. متحشرج .. ورجتني أن اوافق على مقابلتها ولو لخمس دقائق .. لأنها كانت تريد مني ان اساعدها .. حاولت أن ارفض .. إلا أنها أخذت تبكي .. متوسلة .. قائلة بأنها تحتاجني بالفعل .. شعرت بالشفقة عليها فوافقت بشرط أن لا يطول اللقاء بيننا ..
ذهبت لرؤية حور .. بالرغم من عدم رغبتي في ذلك .. وجلست معها أستمع لما تقول بصمت .. والشعور بالغربه يملؤني .. فكنت اشعر بأنني اراها للمرة الأولى في حياتي ..
أخذت حور تردد لي بأنها اسفه لكل ما فعلته بحقي .. وأنها كانت متهورة حين تزوجت .. وأنها عاشت أسوأ سنتين في حياتها .. وقد أخذت جزاءها لظلمها لي .. لأن زوجها لم يكن أبدا كما توقعت ..
اخذت تبكي .. وتقول بأن زوجها كان ظالما .. قاسيا .. لم يتوقف قط عن إيذائها .. سواء بالضرب او الشتم .. حتى لم تعد تطيق البقاء معه .. فطلبت منه الطلاق .. بعد ان رزقت منه بابن .. أطلقت عليه اسم سيف ..
شعرت بالحزن والأسى على حور .. فقد كنت اتمنى لها السعادة في زواجها .. ولم اكن اتوقع ان ينقلب حالها إلى هذا الشكل .. ولكنني لم استطع ان اقول لها بأنني لازلت احبها كما تحبني .. ربما لو انها جاءت إلي قبل هذا اليوم .. لكنت قلت لها ذلك .. ولكنني الآن .. لم أعد واثقا من شعوري نحوها .. فلم اكن اشعر حينها بأي عاطفة سوى الشفقة نحوها ..
اعتذرت لحور .. مواسيا .. وتمنيت لها التوفيق في تربية ابنها .. وشكرتها لأنها اسمته باسمي .. ولكنني قلت لها .. بأنني سأتزوج قريبا .. وبأنني احب فتاة اخرى .. وهي تحبني .. واخبرتها بأن تلك الفتاة هي كل شيء بالنسبة لي .. وانني احتاج لوجودها بقربي كحاجتي للهواء ..
وبهذه الكلمات .. اقفلت صفحة حور في حياتي للأبد .. فلا أظن بأنها ستبقى تؤثر بي بعد اليوم ..
الذكرى الخامسة والعشرون :
لم يكن ماقلته لحور كذبا .. فقد كنت صادقا في كل كلمة قلتها .. نعم .. لأول مرة في حياتي .. اكتشف بأنني كنت اعمى البصيره .. بأنني أكثر الناس غباءا على وجه الأرض .. لقد كانت ريم دوما معي .. وامامي .. ومع ذلك لم ادرك بأنني أحبها أكثر من اي فتاة عرفتها قط ..
لقد كنت اعمى .. لقد كنت انانيا إلى درجة أنني سببت لها جرحا تلو آخر .. دون ان اراعي مشاعرها .. معتمدا دوما على شجاعتها وقوتها .. على ثقتها بنفسها التي لا تقهر .. اردت رؤيتها .. والاعتذار لها مرات ومرات .. حتى تسامحني وتنسى كل مافعلته بها ..
أسرعت بالعودة إلى المدينه .. باحثا عن ريم .. وحالما وجدتها .. اخبرتها بأنني أحبها .. وانني أريد الزواج بها .. بأسرع وقت ممكن .. فتفاجأت ريم .. وارتبكت .. واخذت تضحك .. قائلة بأنني امزح بلا شك .. ولكنني اكدت لها جديتي .. واقسمت بأنني لم اكن صادقا في حياتي قط .. كما كنت في تلك اللحظه ..
لم تعرف ريم بم تجيبني .. فلم تقل شيئا .. إلا ان دموعها خذلتها .. فتساقطت من عينيها باندفاع منهمرة دون توقف .. وأخذت تبتسم وسط دموعها .. فلم اعرف إن كانت حزينه ام مسروره ..
حين هدأت ريم .. اخبرتها بكل شيء عن حور .. وعن لقاءنا .. اخبرتها بأنني فضلتها هي على حور .. وان هذا هو كل ما استطيع ان اقدمه لها كإثبات على صدق مشاعري نحوها .. فوافقت ريم على الزواج بي .. أخيرا .. وقالت لي بأنها لم تتوقف يوما عن حبي .. ولكنها كتمته عني لأنها لم ترد أن أشعر بالخوف او بالقلق.. لأنها لم ترد أن أهرب منها مجددا كما فعلت في المرة السابقة ..
اعتراف ريم بحبها لي طمأنني .. وجعلني أشعر بأنني قد وجدت السعادة اخيرا .. بأن حلمي بالاستقرار قد اوشك ان يكون حقيقه .. وليس مجرد حلما .. فسارعت بالعودة إلى الدوحة .. طالبا من أهلي أن يخطبوا لي ريم ..
وبالفعل .. سرعان ماتمت الخطوبه .. ليتبعها الزواج بعد ان انهيت رسالة الدكتوراة .. وعدت إلى الدوحة اخيرا .. لأستقر بها .. مع زوجتي .. التي أحبها بشغف ..
*****
قضيت الشهور الأولى للزواج بسعادة بالغه .. وعشت أجمل أيام يمكن أن يعيشها انسان .. وقد كانت ريم مثال الزوجة المخلصة الوفيه .. ولكن .. يبدو أن السعادة لا تدوم .. او ان الإنسان لا يرضى ويقنع بما أعطاه الله من خير ..
نعم .. لقد بدأ الملل والسأم يتسلل إلى نفسي مجددا .. فاشتقت إلى مغامراتي الماضية .. إلى لذة اكتشاف مشاعر الحب .. والانتقال من زهرة إلى أخرى .. بحرية .. ودون قيود ..
فعدت أتنقل من علاقة إلى أخرى .. متجاهلا زوجتي تماما .. فتحولت من مدمن للحب .. إلى زوج خائن .. وقد كنت ادرك خلال انغماسي في هذه العلاقات .. بأن ريم تعلم بهذه العلاقات .. رغم حرصي على إخفاء أي أثر يدل عليها .. فقد كانت ريم أكثر من يعرفني في هذه الدنيا ..
تعرف متى أبدأ علاقة جديدة .. لأنني أكون في قمة السعادة حينها .. وتعلم متى أنتهي من تلك العلاقة .. لأنني اصبح كئيبا .. حزينا وقلقا ..
ورغم أن ريم كانت تعرف كل ذلك .. إلا أنها لم تتذمر ولم تشتك يوما .. رغم أن الحزن والأسى أخذا يزدادان وضوحا في عينيها يوما بعد يوم ..
صمت ريم وتحملها لأخطائي .. كان يصيبني بالجنون .. أو ربما .. بتأنيب الضمير .. فحاولت مرارا التوقف عن خيانتها .. التوقف عن العبث والعلاقات العابرة .. إلا أنني لم اقدر .. فأصبحت أسيء معاملتها .. واتصيد لها الأخطاء .. باحثا عن اعذار تبرر لي الخيانة .. لأسكت صوت ضميري .. الذي أخذ يعلو يوما بعد يوم ..
وحين أخبرتني ريم بأنها حامل .. فرحت كثيرا .. وقطعت على نفسي عهدا بأن اتوقف عن كل ما افعل .. ان اصبح زوجا مثاليا .. ووعدتها بأنني سأحاول إسعادها قدر استطاعتي .. وبأنني سأفعل المستحيل من أجلها ومن اجل طفلنا الذي تحمله في أحشائها ..
ولكن .. رغم وعودي .. لم اتوقف يوما عن خيانة ريم .. لا أنكر بأنني حاولت قطع كل علاقاتي .. إلا أنني لم اقدر .. ربما لأنني ببساطه .. لم اكن ارغب في ذلك في قرارة نفسي ..
شعوري بالخجل من مواجهة ريم .. جعلني أهرب من المنزل .. وأقضي أغلب أوقاتي خارجه .. فأصبح البيت بالنسبة لي كالفندق .. لا أدخله إلا للنوم .. في آخر الليل .. لأهرب مع أول شعاع للنور في الفجر ..
لاحظ الجميع ذبول ريم .. وحزنها .. وحاولت أمي أن تنصحني مرات ومرات بمراعاة زوجتي .. وعدم تجاهلها .. بالبقاء معها لوقت أطول .. إلا أنني كنت كالأصم .. الذي لا يسمع شيئا .. فلم اصغ لنصيحتها .. وتجاهلتها تماما ..
واخيرا .. جاء موعد ولادة ريم .. ولأول مرة .. انتابني الشعور بالقلق .. على ريم .. وعلى طفلتي التي تحملها .. فبقيت في المستشفى منتظرا .. اللحظة التي ستضع فيها ريم الطفله ..
كانت الولادة متعسره .. وقضت ريم اكثر من 3 ساعات في غرفة الولادة .. وبقيت أنا أذرع اروقة المستشفى ذهابا وإيابا .. ادعو الله أن تضع ريم الطفلة بسلام .. وأن تخرج من هذه الولادة بخير .. وقد أقسمت أن أتوقف عن كل الذنوب التي كنت ارتكبها ..
ولكن .. حين خرج الطبيب من غرفة الولادة .. لم يعرف .. أيهنئني على قدوم الطفلة .. ام يعزيني لفقدي ريم ... التي لفظت أنفاسها الأخيره بعد ان وضعت طفلتنا..
الذكرى السادسة والعشرون : ( الأخيره )
ها قد مر عشرون عاما .. منذ وفاة ريم .. التي أصابني خبر وفاتها .. بصدمة لم اعرف مثلها في حياتي.. فبكيت .. كما لم ابك يوما .. متمنيا لو تعود الأيام إلى الوراء .. لأعوضها عن كل ما فعلت .. عن كل الأحزان التي سببتها لها ..
لم اعرف في حياتي امرأة مثلها .. ولا اظن بأنني قد اجد مثلها أبدا .. كانت مثالا للصبر والتضحيه والاحتمال .. لازلت اشعر بأنني صغير .. ضئيل جدا أمامها ..
اذكر أنني لم افهم ما قالته ريم لي مرة حين سألتها عن سر عشقها للون الأحمر وارتدائها الدائم له ،، لم افهم حين أجابتني بأنها تحب أن توحي للآخرين بأنها قويه .... رغم انها ليست كذلك في الواقع .. لم ادرك حينها ماتعنيه .. لأنني كنت دوما اراها قوية .. لا تنكسر .. إلا أنني أخيرا فهمت .. أخيرا أدركت بأن قناع القوة والثقه الذين كانت ريم تختبئ خلفهما .. يخفيان قلبا حنونا .. صادقا .. ممتلئ بالدفء والرقه .. بالعطاء والتضحيه .. وأنها لم تكن تريد لهذه المشاعر الرقيقه .. لهذا القلب المعطاء .. أن يكون مكشوفا امام اعين الجميع .. لم تكن تريد أن يستغلها احد .. ولذلك .. اختبأت خلف قناع الجرأة .. قناع يضج بالثقه والقوه .. وكنت انا الوحيد الذي ازالت امامه هذا القناع .. كنت انا الوحيد الذي سمحت له بالن