طلب رجل ذات يوم من حكيم أن يعلمه كيف يكظم غيظه ويسيطر علي غضبه كي لا يؤذي الآخرين، فقد اعتاد أن يطلق العنان لغضبه ولا يستطيع أن يملك أعصابه، فأصبح الغاضبين منه كثر، ولم يبق لديه صديق
طلب الحكيم من هذا الرجل الغاضب أن يدق مسمارا في باب غرفته كلما شعر بالغضب وأساء لإنسان، وعندما يأتي اليوم الذي لا يدق فيه أي مسمار فسيعرف كيف يتخلص من غضبه
في اليوم الأول اكتشف الرجل بأنه دق عددا كبيرا من المسامير في باب غرفته، وفي اليوم الثاني نقصت المسامير واحدا، ثم بتوالي الأيام بدأت تنقص شيئا فشيئا، الي أن أتي يوم لم يدق فيه الرجل أي مسمار، وتملكه الفرح، لقد تخلص من سطوة الغضب وأصبح قادرا علي تمالك نفسه
وحينما زف البشارة الي الحكيم، لم يهنئه وإنما اخبره بأنه كي يضمن انه تخلص من مشاعر الغضب المدمرة كلها، ويصبح قادرا علي السيطرة علي نفسه عليه أن ينزع في كل مرة يملك نفسه من الغضب مسمارا من تلك التي ملآ بها باب غرفته
وبدأ الرجل يجبر نفسه أكثر علي تمالك الغضب، وفي كل مرة كان ينزع مسمارا الي أن أتي يوم ووجد نفسه قد انتهي من نزع المسامير كلها ولم يبق في الباب أي منها، وأسرع يزف بشارته الثانية للحكيم لقد أصبح قادرا علي أن يتحكم في غضبه ويفكر ألف مرة قبل أن يؤذي الآخرين،
ولكن مهمته لم تنته عند هذا الحد، هكذا أخبره الحكيم الذي طلب منه أن يصلح في كل مرة يعتذر فيها لشخص ما أذاه أو أغضبه واحدة من تلك الثقوب الكثيرة التي أحدثها بدق مسامير الغضب في الباب
وحينما نظر الرجل الي آثار ثقوب المسامير هاله ما رأي من آثارها وأحس بصعوبة إصلاحها وإعادة شكل الباب الي حاله الأول، عندها قال له الحكيم (هذا هو الأثر الذي تتركه كلماتك الغاضبة في قلوب الآخرين.)
تذكرت هذه الحكاية جيدا عندما كاد خلاف ما ينشأ بيني وبين صديقتي بسبب الغضب، كنت أنا غاضبة وكانت هي غاضبة رغم أن الموقف لا يحتمل الغضب، ولكن الظروف حتمت علينا أن ننسى كيف نحول طاقة الغضب الموجودة لدينا الي طاقة للإنجاز الايجابي بأسلوب بناء كما تعودنا دائما، إذ أن ضغوطات الروتين التي تكاد تطحن أيامنا أنستنا كل ما تعلمناه، وأنستنا كيف ننزع مسامير الغضب من أنفسنا، وضاعت في نوبة الغضب كل الاستراتيجيات المتطورة التي تعلمناها مسبقا في إدارة الغضب، وتجاهلنا أساليب الدفاع عن النفس ضد نوبات الضغط والغضب و الشعور بالذنب، بل ولم نتذكر ولا حرف من مجموعة الأساليب المنتقاة الخاصة بحل المشكلات من جذورها، كما أننا لم نسأل أنفسنا عن السبب الحقيقي الذي جعلنا نغضب، ونسينا تماما بأن الغضب شعور ثانوي ناتج عن شعور آخر رئيسي هو الذي يدفعنا للغضب، باختصار شديد غضبنا من بعضنا دون مبرر حقيقي وإنما كانت ضغوطات الحياة والعمل، و التوتر الناتج عن الإجراءات الروتينية التي تعيق تقدمنا وإنجازنا وتسجننا في دائرة اللف والدوران دون فائدة هي السبب الذي تجاهلناه، كما اننا لم نبتعد عن مصدر الغضب بل كنا منغمسين فيه لا فكاك لنا منه، كل هذه العوامل أدت الي الانفعال وجعلت من أعصابنا علي حافة الخطر والانفجار لسبب تافه لا يستحق كل هذه الغضب
كم نحن في حاجة الي أن نتسلح بخبرة كافية لمواجهة هذا الغضب وإتقان أساليب إدارته كي نحوله الي طاقة ايجابية تخدم حياتنا وتدفعنا كي نفكر في نتائج الغضب وما سنفقده بفقدان أعصابنا، فنحن يا صديقتي لن نجد طريق خلاصنا إذا ما فكرنا ونحن في حالة غاضب، كما أننا في حاجة أكثر الي التسامح والتفهم والتعاطف كي لا ندق مسامير الغضب في أبوابنا.